فلما بلغني هذا القول، وعرفت غدره ونقض عهده؛ أقبلت إليك لأقضي حقك؛ وتحتال أنت لأمرك. فلما سمع شتربة كلام دمنة، وتذكر ما كان من دمنة جعل له من العهد والميثاق، وفكر في أمر الأسد، ظن أن دمنة قد صَدَقَهُ ونصح له؛ ورأى أن الأمر شبيهٌ بما قال دمنة. فأهمه ذلك؛ وقال: ما كان للأسد أن يغدر بي ولم آت إليه ذنباً، ولا إلى أحد من جنده، منذ صحبته؛ ولا أظن الأسد إلا قد حمل علي بالكذب وشبه عليه أمري: فإن الأسد قد صحبه قوم سوءٍ؛ وجرَّب منهم الكذب وأموراً هي تصدق عنده ما بلغه من غيرهم: فإن صحبة الأشرار ربما أورثت صاحبها سوء الظن بالأخيار؛ وحملته تجربته على الخطأ كخطأ البطة التي زعموا أنها رأت في الماء ضوء كوكبٍ، فظنته سمكةً، فحاولت أن تصيدها، فلما جربت ذلك مراراً، علمت أنه ليس بشيءٍ يصاد فتركته.